الأربعاء، 24 ديسمبر 2008

الأحد، 9 مارس 2008

زياد العربي-

قصة أخرى ينقلنا إليها كتاب" قضايا التجسس ضد إسرائيل«* تختلف كلية عن أي قصة عرفها عالم المخابرات لأنها قصة أحد الأطفال الذي نجح في الوصول إليى مقر قيادة رئيس هيئة الأركان الاسرائيلي ورئيس وحدة العمليات في سيناء ووزير الدفاع موشيه ديان ذاته والتجسس عليهم ونقل المعلومات إلى القاهرة.كان زياد السواركة أحد الأطفال البالغ من العمر سبع سنوات أبان نكسة عام 1967 وقتل الاسرائيليون عائلته بأكملها والعشرات من أفراد قبيلته بلا رحمة بعد اجتياحهم لسيناء في مذبحة كبرى قاموا بها في العاشر من يونيو عام 1967 بعد أن نصب عدد من أفراد قبيلته كمينا لأحد الضباط الاسرائيليين وقتلوه* ومن حسن حظه كان السواركة مع عمه محتجزين في العريش حيث منعوا من العودة إلى القبيلة بعد أن فاجأتهم الحرب هناك في الوقت الذي نفذت فيه إسرائيل مذبحتها بالقرية.غير أن السواركة لم يبك بعد عودته للقبيلة ورؤيته لجثث والده وعائلته وأصر حينها على الانتقام ممن قتلوا أصدقاءه وعائلته بلا رحمة.وعلى الرغم من صغر سنه فقد عرف معنى الانتقام وكان لا يشارك الأطفال في ألعابهم بل لوحظ أنه كان دائماً ما يحرص على الجلوس مع عمه وكبار المشايخ في سيناء عند حديثهم عن دعم المقاومة المصرية والوقوف بجانبها عند احتلال سيناء* ولاحظ عمه الذي جند لدعم المقاومة المصرية في سيناء قوة السواركة وصلابته رغم صغر سنه فقرر استخدامه في احدى العمليات التي تقوم بها المقاومة خاصة أن الإسرائيليين لن يشكوا فيه بأي حال.وكانت مهمته اللعب مع بعض الأطفال بالقرب من المواقع العسكرية الإسرائيلية ومحاولة الدخول إلى هذه المواقع ومصادقة المجندات في هذه الوحدات - لأنهن دائماً ما يكن الأقرب حباً للأطفال- فضلا عن قيام الاطفال ببيع الأطعمة ولبن الماعز لهن. وبالفعل أصبح السواركة "نجم" المعسكرات الإسرائيلية ووصل به الأمر إلى مصادقة الفتيات والرقص معهن بل والدخول إلى غرف نومهن للمزاح والحصول على الهدايا* وعلى الرغم من تعرض عدد من المجندات للعقاب بسبب استضافتهن للالسواركة إلا أنه كان محبوباً وصديقا للعشرات منهن في أغلب القواعد العسكرية. وبات صيته شائعا بين المجندات في إسرائيل خصوصا بين صغار السن* واللاتي أصبحن يعتمدن على الأطعمة التي يأتي بها. وكان يقوم بعد إنهاء مقابلاته في معسكرات الجيش الإسرائيلي بالذهاب إلى عمه وأعضاء المقاومة الشعبية المصرية في سيناء ويقص لهم عن كل ما شاهده في المعسكرات الإسرائيلية بداية من الأسلحة حتى أصحاب الرتب العسكرية التي بات يعرفها على الرغم من عمره الصغير حتى بالنسبة للكلام الجانبي الذي كان يردده الجنود من أصحاب الأصول الشرقية مع بعضهم البعض بالعربية.العين الأولىالغريب أن السواركة بات العين الأولى للمقاومة المصرية في المعسكرات الاسرائيلية خصوصا وان خدماته وصلت إلى كبار القادة العسكريين الذين باتوا يطلبون المنتجات الزراعية التي يحضرها من بيض ولبن لأنها أفضل من المنتجات التي يحضرها الجيش الإسرائيلي لهم.ومع مرور الوقت بات السواركة يتجول بحرية في جميع أنحاء المعسكرات الاسرائيلية واستطاع أن يكون العين الثاقبة التي ترى بها مصر قلب هذه المعسكرات* حتى أن كبار القادة في الجيش باتوا يطلبون معلومات من السواركة رأساً وهو ما لم يطلبوه من كبار العملاء واعتاهم.المثير أن هيئة الأركان المصرية استطاعت وبفضل هذا الطفل التعرف على التفاصيل الكاملة للعديد من المواقع العسكرية بداية من حقول الألغام التي أقامتها إسرائيل وكيفية السير وسطها الى الكشف عن الكثير من المواقع السرية الأخرى بداية من المطارات ثم منصات إطلاق الصواريخ التي كانت إسرائيل تحرص على إنشائها وسط جبال سيناء حتى لا يستطيع المصريون اكتشافها بسهولة.وبجانب هذه الانجازات استطاع معرفة تفاصيل الحياة داخل المعسكرات وموعد وصول الأسلحة إليها و عطلات القادة العسكريين ومواعيد عودتهم إلى عملهم بالاضافة إلى النقطة المهمة الأخرى والمتعلقة بمعرفة أنواع الأسلحة التي يستخدمها الجنود الاسرائيليون ووصفها ومعرفة امكاناتها القتالية ومحاولة رسم أي سلاح أو أي عتاد عسكري لا يستطيع أن يكتشف أسمه.وأمتاز الطفل في رسم أي سلاح إسرائيلي جديد لا يعرف أسمه حيث كان موهوباً في الرسم وكان ينقل شكل السلاح كما هو من دون تغيير* حتى أنه رسم صور العسكريين الإسرائيليين ممن كان يعرفهم بدقة متناهية. غير أن الانجاز الكبير هو وصف الطفل سواركه لجميع التجهيزات العسكرية داخل خط بارليف الذي كان يدخل إليه حتى أصبح هو المورد الرئيسي لما يرغب فيه العسكريون الذين يخدمون به من طعام أو مشروبات حتى أن كبار القادة الإسرائيليين كانوا يطلبون الطعام منه هو شخصياً لجودته وتأخر وصول الطعام إلى الوحدات العسكرية في كثير من الأحيان.وكان أسلوب السواركة في الحوار متميزا للغاية حيث اتسم بالسلاسة والفكاهة في آن واحد* وكان دائم الهجوم على مصر ويزعم أنه يكرهها وأن سياستها هي التي أدت إلى اندلاع حرب 1967 وهي الحرب التي تلقت فيها مصر ضربة موجعة.وكانت هذه الكلمات تسعد القادة الاسرائيليين الذين لم يتصوروا أبدا أن هذا الطفل يعمل مع المخابرات المصرية. ونجح السواركة في نيل ثقة هؤلاء القادة حتى أنه بات يقوم بتقديم الطعام إليى رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي عندما حضر لزيارة خط بارليف والاطمئنان على الجنود الذين يخدمون في الوحدات العسكرية* بالإضافة إلى رئيس وحدة العمليات في سيناء ووزير الدفاع موشيه ديان ذاته والتجسس عليهم ونقل المعلومات المهمة التي يشاهدها عندهم إلى القاهرة.وواجه السواركة مشكلة كبيرة تتلخص في كميات الطعام التي يجب أن يحصل عليها بكثرة خصوصا مع تزايد معارفه من الاسرائيليين خاصة مع عدم اكتفائه بالدخول إلى المعسكرات العسكرية ولكنه تخطاها ليصل إلى المنتجعات السياحية والمرافق المدنية التي أقامتها إسرائيل في سيناء. وهو ما جعل العشرات من البدو خصوصا ممن يعملون مع المقاومة المصرية يحرصون على تزويد السواركة بالطعام أولاً بأول.ارتباكويقول الكتاب أن مصر باتت تستفيد بصورة متميزة من المعلومات التي يزودها بها السواركة* وهو ما انعكس على المستوى القتالي للقوات المسلحة المصرية التي استطاعت بفضلها تكبيد إسرائيل العديد من الخسائر في حرب الاستنزاف. وكان الإنجاز الذي نجح فيه السواركة هو وضع أجهزة تنصت في غرف المجندين والقادة الاسرائيليين* وهي الأجهزة التي كانت على شكل قطع بلاستيكية شفافة ودقيقة للغاية لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة والتي ساعدت المصريين على معرفة جميع التطورات الحاصلة في غرف العمليات الاسرائيلية في سيناء.وكان الرئيس جمال عبد الناصر بنفسه ومن بعده الرئيس السادات يستمعون بأنفسهم إلى هذه التسجيلات ويعرفون عن طريقها من كبار القادة العسكريين أنفسهم المخططات الإسرائيلية العسكرية قبل ان تتم المصادقة عليها.وأصبحت القاهرة بفضل السواركة الذي أطلقت عليه المخابرات المصرية لقب »الجاسوس الطفل« على معرفة بكافة التطورات العسكرية المختلفة التي ينوي الإسرائيليون القيام بها وباتت العمليات التي يقوم بها محط اهتمام الكثير من الضباط ومسؤولي الجيش المصري* حتى أنهم لم يكونوا يقوموا بأي عملية إلا عقب الرجوع إلى السواركة.ولم يتوقف تميز السواركة عند هذا الحد بل نجح أيضاً في الكشف عن الكثير من العملاء المصريين ممن يعملون لصالح إسرائيل* ومن هؤلاء الجاسوس الخطير باروخ مزراحي الذي جندته إسرائيل ليتجسس على مصر واليمن وتم الإيقاع به بعد أن سمع المصريون بقصته من الاجهزة التي زرعها السواركة. ونتيجة لتفوق المصريين العسكري على الاسرائيليين على الرغم من الامكانيات العسكرية المتميزة التي كانت تتاح لهم أصدرت القيادة الاسرائيلية أوامر بالتحقيق مع جميع القادة والعسكريين في مختلف المعسكرات خصوصا وأن المصريين كانوا يعرفون وبدقة الخطوات العسكرية الاسرائيلية.وتم رصد جميع المترددين على معسكرات الجيش وهو ما أدى إلى إحاطة الشكوك بالسواركة الذي نصب له الاسرائيليون كميناً بوضع معلومات مغلوطة أمامه* وكانت عبارة عن الزعم بوجود قاعدة منصات لإطلاق صواريخ عسكرية في قلب الجبال في جنوب سيناء* ووضعت اسرائيل قاعدة مزيفة من الورق المقوى في هذا المكان وللأسف بلع الطفل الصغير الطعم وأرسل إلى المصريين هذه المعلومة وهو ما أدى إلى قيام مصر بتفجيرها بواسطة الطائرات فقامت إسرائيل بالقبض على هذا الطفل بعد هذه العملية بعدة ساعات.ولم يتحمل جسد الطفل الصغير التعذيب حيث حاول الاسرائيليون معرفة أعضاء حركات المقاومة المصرية في سيناء ممن كان يتعامل معهم ولكنه رفض الابلاغ عنهم وهو ما أدى إلى قتله في النهاية من وطأة التعذيب بعد أربعة أيام من وقوعه في الأسر* وعلى الرغم من هذا مازالت العمليات التي قام بها تصيب قادة جهاز الموساد بالغضب مع ترديدها* خصوصا بعد نجاحه كأصغر جاسوس عرفته أجهزة المخابرات و استطاع اقتحام قلب غرف العمليات الاسرائيلية في جرأة وبلا خوف.

الاثنين، 18 فبراير 2008

دير سانت كترين


استراحة...


صورة رسم للقدس


لا تعليق


السواركة يختارو ممثليهم

السواركة اختاروا‏19‏ شيخا‏..‏ والمجلس النهائي للقبائل‏20‏ ينايرقبائل سيناء تواجه الانفلات بـ الانتخابات
تحقيق‏:‏ عبدالرحمن سعد
تسابق قبائل سيناء‏(400‏ ألف نسمة‏)‏ الزمن حاليا من أجل إنجاز أول خطوة شعبية في تاريخها الحديث لإعادة هيكلة القبيلة عبر إجراء أول انتخابات ديمقراطية بهدف انتخاب مجلس حكماء لكل قبيلة‏,‏ يتولي إدارتها‏,‏ وتسيير شئونها‏,‏ وضبط أوضاعها‏,‏ وإعادة الأمن إلي ربوعها‏,‏ في خطوة تشجعها الجهات الرسمية‏,‏ بينما يحذر حقوقيون من كون هذه المجالس غير كافية في ظل تدني المعيشة‏,‏ وضعف الخدمات‏.‏أفراد قبيلة السواركة‏(‏ أكبر القبائل‏,‏ وتعدادها‏60‏ ألفا‏)‏ اختاروا ممثليهم أمس الإثنين في انتخابات هي الأولي من نوعها بين عشائرها‏,‏ وأفرعها‏..‏ بينما أجرت كل من قبائل‏:‏ الفواخرية والرميلات والريشات انتخاباتها‏,‏ واستقرت علي ممثليها العشرة خلال الأيام الماضية‏..‏ فيما توالي بقية القبائل في شمال سيناء‏(‏ ثمان هي ـ بجانب الأربع المذكورة ـ الترابين والتياهة والأهوات والبياضية‏,‏ علاوة علي عائلات وبطون كبري‏),‏ تمهيدا لإجراء أول انتخابات عامة بين أفراد القبائل جميعا يوم العشرين من يناير الحالي‏,‏ لاصطفاء مجلس إدارة يمثل أبناء القبائل بوسط وشمال سيناء‏.‏هذه المجالس كانت موجودة من قبل في الأثر البدوي بين القبائل‏,‏ إلي أن عطلها الاحتلال الإسرائيلي لأرض سيناء يوم الخامس من يوليو‏1967,‏ بحكم محاربته كل تجمع بدوي‏,‏ وتشريده العناصر الوطنية‏,‏ ومع عودة سيناء إلي السيادة الوطنية تعاملت السلطات مع البدو بمنطق شيخ الحارة‏,‏ لا شيخ القبيلة‏,‏ فاصطنعت لهم شيوخا يرفضهم الضمير القبلي‏,‏ لأنهم غير نابعين عن اختيارات الأهالي‏.‏شغب بالشهر المقدس‏!‏السؤال‏:‏ كيف برز التفكير في إحياء هذه المجالس؟ترجع الإجابة ـ كما يقول الحاج خلف المنيعي أحد قادة قبيلة السواركة ـ إلي يوم السادس من أكتوبر الماضي‏(‏ الرابع والعشرين من رمضان‏),‏ إذ كان يوما مأساويا بحق‏.‏فبعد العصر نشبت مشاجرة بين فردين من قبيلتي الترابين والفواخرية‏,‏ بوسط هذه الأخيرة‏..‏ لكن الترابيني تعرض للضرب‏,‏ فما كان من الترابين إلا أن جاءوا بعربات محملة بالرجال المسلحين‏,‏ ثم هبطوا في ميدان الفواخرية‏,‏ وبدأوا في إطلاق النار العشوائي‏.‏وعلي بعد أمتار منهم كان الفواخريون يؤدون واجب العزاء في وفاة شيخهم محمد عايش في أعقاب أداء صلاة التراويح بجامع الفواخرية‏,‏ فتصدوا ـ بالحجارة ـ للمهاجمين‏,‏ وأسفرت الاشتباكات عن إصابة مواطنين‏..‏ كما يقول مسئولو القبائل‏.‏هنا‏..‏سادت موجة من الغضب بين أبناء الفواخرية‏..‏ وتجمعوا بالآلاف ليلا‏,‏ وصدرت ردود فعل هوجاء عن البعض منهم‏,‏ وأسفرت ردة الفعل هذه عن تحطيم العديد من المحال‏,‏ وحرق مقار لجهات رسمية‏..‏ ومن ثم ألقت أجهزة الأمن القبض علي عدد من مثيري الشغب بينهم‏,‏ ليتم ـ لاحقا ـ عقد مجلس عرفي للمصالحة بين القبيلتين‏.‏لم تكن تلك الفتنة الأولي في العام الماضي‏..‏ بل كانت هناك حوادث يومية مفزعة‏:‏ سطو علي المنازل والأراضي والممتلكات الخاصة بالمواطنين بحجة استخلاص الحقوق‏,‏ دون مراعاة لعرف أو قانون‏..‏ قتل عشوائي‏..‏ انتشار سيارات لا تحمل أي لوحات‏..‏ حمل سلاح غير مرخص‏,‏ وقضاء عرفي يترنح تحت وطأة سوء استغلاله‏.‏ثلاثة أطراف كانت ترقب ما يحدث من فتن يكتوي أبناء سيناء بنارها عصابات مسلحة‏,‏ يصفها أشرف الحفني أمين حزب التجمع بشمال سيناء وعضو اللجنة الشعبية لحقوق الإنسان‏(‏ لجنة أهلية تنشط بشمال سيناء‏)‏ بأن أفرادها باتوا بشمرجة جددا‏..‏ يهددون سيناء‏!‏الطرف الثاني‏:‏ الأجهزة الرسمية المصرية‏(‏ مغلولة اليد بنور الحكمة‏)‏ عن التدخل فيما يحدث باعتباره شأنا داخليا بين أبناء القبائل‏.‏أما الطرف الثالث‏:‏ فهو أبناء سيناء أنفسهم الذين حار ذهنهم فيما يقع بينهم من صراعات‏..‏ لكنهم يعجزون عن مواجهتها‏.‏اجتماع بمنزل المنيعيعلي بعد نحو ثلاثة كيلو مترات من مقر المحافظة في قلب مدينة العريش‏..‏ اجتمع نفر يقارب عددهم العشرين من أبناء القبائل في ردهة واسعة من الدور الأرضي بمنزل كائن علي بعد أمتار من مسجد الشيخ عيد جرير‏(‏ أحد كبار شيوخ السواركة في خمسينيات القرن الماضي‏)..‏ التأم الاجتماع في عصر يوم من أواخر شهر نوفمبر الماضي‏,‏ واستمر حتي صلاة العشاء‏.‏يقول الحاج خلف المنيعي‏:‏ كنا نحاول اعتصار الذهن في كيفية الخروج من هذه الأزمة‏:‏ كيف نعيد الهيبة إلي القضاء العرفي‏,‏ والاحترام إلي مرجعية القبيلة‏,‏ والشعور بالأمن إلي المواطنين؟في النهاية جاءت الفكرة‏:‏ لابد أن يكون في كل قبيلة مجلس إدارة ينتخبه أفرادها‏,‏ بحيث يكون مسئولا عن ملاحقة ومحاسبة كل من تسول له نفسه الخروج عن أعرافها‏,‏ وفي الوقت نفسه يستظل هذا المجلس بمظلة الشرعية الشعبية والقانونية‏.‏وهكذا تعاقد القوم علي نشر الفكرة بين القبائل‏,‏ ومن ثم عقدوا اجتماعا حاشدا في مقر نادي الهجن بالعريش يوم الإثنين‏24‏ ديسمبر الماضي‏,‏ وتضاعف فيه عدد الحضور ليتجاوز المائتين وخمسين شخصا‏,‏ من مختلف القبائل‏..‏ بقصد الضبط والربط والالتزام الذاتي‏,‏ بمعني أن يتعامل الناس بالعرف المشرف‏,‏ وقوامه الحق والعدل ووعد الشرف‏..‏ بحسب تعبير الحاج محمد عيد ملحوس‏(‏ من عشيرة الدهيمات‏).‏أعقب ذلك إجراء سلسلة من الاجتماعات لاختيار مجلس كبراء لكل قبيلة عبر الانتخاب الحر بين أفرادها‏..‏ ومن هنا سبقت قبيلة الفواخرية لإجراء انتخاباتها يوم الجمعة الماضي‏,‏ فأسفرت عن اختيار عشرة في مجلس إدارة القبيلة‏.‏ومعلقا علي ما حدث يقول الحاج حسان‏(‏ من قبيلة الفواخرية‏):‏ ما قمنا به من انتخابات هو جهد اختياري لقطع يد كل‏(‏ هامل‏),‏ حتي يستقر‏(‏ الأمن‏).‏‏*‏ ولكن كيف تجري الانتخابات؟يجيب المهندس نشأت القصاص عضو مجلس الشعب عن دائرة العريش بالقول بأن كل قبيلة تتكون من مجموعة عشائر‏,‏ والعشيرة مجموعة أرباع‏(‏ عائلات‏),‏ والربع مجموعة خمسات‏(‏ العصبة من الرجل حتي خامس جد له تسمي خمسة الدم‏)‏ أي أن خمسة الدم شبيهة بالأسرة الممتدة‏,‏ ويتراوح عدد أفرادها في الغالب بين خمسين ومائة فرد‏.‏ويتابع‏:‏ سيرشح كل ربع مسئولا يمثله عبر انتخابات داخلية‏,‏ وهؤلاء الممثلون سينتخبون من بينهم شيخا للعشيرة كلها‏..‏ ثم يجتمع المنتخبون من شيوخ العشائر لينتخبوا من بينهم مجلس إدارة القبيلة بأغلبية الأصوات‏..‏ وسيكون عدده بحسب حجم القبيلة‏,‏ لكنه لن يزيد علي عشرة ممثلين‏..‏ علي أن يكون المجلس المنتخب مفوضا تفويضا عرفيا ومكتوبا‏(‏ كان في الماضي شفويا فقط‏)‏ للحديث باسمها‏,‏ وإدارة شئونها‏,‏ وتمثيلها لدي الجهات والقبائل الأخري‏.‏أولويات في المجالسمن أهداف المجالس‏,‏ وأولوياتها ـ يقول الحاج ناصر سليم ـ القضاء علي الفساد الذي دب في القضاء العرفي عبر المتاجرة به‏,‏ ولجوء بعض القضاة لبيع ضمائرهم والدوران مع صاحب المال‏,‏ لا صاحب الحق‏,‏ حيث دار‏.‏أمر آخر يشير إليه هو ضبط الأمن داخل كل قبيلة‏,‏ من أجل جذب المستثمرين‏,‏ وبناء حائط صد بالمحبة ضد أي تجاوز‏,‏ ومشاركة القبائل فعليا في تحقيق الأمن‏.‏مجلس إدارة القبيلة فكرة مريحة أمنيا وشعبيا ومجتمعيا‏..‏ يقول فايز منونة‏(‏ من عشيرة السلامين‏).‏قضاة ولجنة واعتماد‏*‏ ما الآليات؟حسب المتفق عليه بين رجال القبائل‏;‏ فإن مجلس القبيلة سيقوم باختيار قضاة عرفيين مشهود لهم بالنزاهة لفض المنازعات‏,‏ مع فصل أي شيخ أو مسئول قبلي غير فعال‏.‏كما سيتم تشكيل لجنة مصغرة تضم ممثلين للقبائل‏,‏ يعكفون علي التشاور من أجل الوصول إلي حل لجميع المشكلات العالقة‏..‏ بحسب أولوية كل قضية‏..‏ بعد حصر المشكلات الداخلية والخارجية‏,‏ علما بأن رجال القبائل يتدارسون حاليا فكرة تخصيص مقر خاص لكل مجلس‏.‏لكنهم يطالبون الوزارات المعنية ـ في الوقت نفسه ـ باعتماد مجلس القبيلة رسميا‏,‏ وأن تكون له صفة قانونية‏,‏ وأن يستشار في جميع أموره المادية والمعنوية‏..‏ مؤكدين أنه لن تكون لهذه المجالس قيمة إذا لم تعترف الأجهزة بها‏,‏ وتوثق التعاون معها‏,‏ في سيناء التي لا يحتمل موقعها الجغرافي أي خطأ أو انفلات أمني‏.‏سأجلس مع المجالس‏*‏ والآن‏..‏ ماذا يقول المسئولون؟يقول اللواء أحمد عبدالحميد محافظ شمال سيناء‏:‏ إن الفكرة جيدة‏,‏ ونحن نشجعها وندعمها‏,‏ وأنا أتابع هذا الموضوع شخصيا مع القبائل‏..‏ قبيلة قبيلة‏..‏ فهناك مشكلات الاعتصامات والتهريب والسرقات‏..‏ إلخ‏,‏ ومن الأهمية وجود هذه المجالس‏..‏ والمهم أن يختار أفراد كل قبيلة الشخص الذي يحبونه‏,‏ ويثقون به‏..‏ ويهمنا أن تكون هذه المجالس قوية حتي تتمكن من ضبط الانفلات الحاصل‏.‏ويتابع‏:‏ إنها فكرة تساعد علي تحقيق الاستقرار‏,‏ وتنشيط القضاء العرفي‏,‏ وتمنع وقوع القبائل في خلافات‏,‏ بعضها مع بعض‏,‏ كما تمنع مظاهر الخروج علي القانون خاصة في وسط سيناء‏.‏ويضيف‏:‏ سوف أجلس مع مجالس القبائل المنتخبة‏,‏ وهؤلاء لا يتعارض عملهم مع دور أجهزة الأمن‏,‏ ولا مع المشايخ المعينين حاليا‏,‏ البالغ عددهم‏137‏ شيخا‏,‏ وقد رفعنا راتب كل منهم من‏75‏ جنيها إلي‏500‏ جنيه‏.‏مخاوف من التسلطفي المقابل يبدي أشرف الحفني تخوفه من تراجع دور العرف ليس بسبب عدم وجود ممثلين للقبائل‏,‏ وإنما لأسباب أخري يجب دراستها‏,‏ لأن القضية الحقيقية هي تراجع دور القبيلة عموما‏,‏ وليس العرف فقط‏,‏ بحسب تعبيره‏.‏فالشكل القبلي ـ كما يؤكد ـ يتراجع‏,‏ والحل في توفير الخدمات‏,‏ وتحسين حياة المواطن‏,‏ لأن التفاوت الطبقي مع قلة الخدمات أدي إلي حدوث تمايز يصب في مصلحة فئة معينة‏.‏بصراحة ـ يتابع ـ التخوف أيضا هو أن يتحول هذا الشكل القبلي المستحدث إلي شكل جديد من أشكال التسلط علي المواطنين‏,‏ مع أن المطلوب هو أن نحارب الخارجين علي‏(‏ القانون‏)‏ لا الخارجين علي‏(‏ السياسة‏),‏ ومقتضي ذلك الاهتمام بالأمن الجنائي‏,‏ بدرجة لا تقل عن الاهتمام بالأمن السياسي‏.

اهلا وسهلا-في بصة الفالق

حدثني ميشال أفندي سماحة قال: كان أول ما بدئ بتجفيف المستنفعات في أول عهد الاحتلال، وكانت الأعمال تجري في دائرة ضيقة، ثم قدمت إلى فلسطين بعثة تابعة لمؤسسة المثري الأميركي المشهور روكفلر، وهي مؤسسة خاصة بمكافحة الملاريا، وكانت البعثة مشكلة من مهندس وطبيب قاما بأبحاثهما وعرضا على حكومة فلسطين بعد ذلك مشروعاً هو أن تبعث الحكومة أحد الوطنيين للتخصص على حساب المؤسسة، فإذا أتم دراسته عاد ليشتغل في مكافحة الملاريا على حساب الحكومة كأحد موظفيها. تم ذلك سنة 1928 - 29، وكان أول أعمال المشروع تجفيف مستنقع النبي روبين على حساب المجلس الإسلامي الأعلى.ومنطقة النبي روبين أوقاف إسلامية، وأهميتها أنها مزار صيفي تُضرب فيه المخيمات كل عام، ويؤمه مالا يقل عن أربعين ألفاً، فكان هؤلاء إذا انقضى الموسم عادوا يحملون في دمهم جرثومة الملاريا الفتاكة، ويوزعونها على القرى والمدن التي يغشونها. جُفّف هذا المستنقع - ومساحته ألف وثمانمئة دونم - فانقطع دابر الملاريا، وانقلبت أراضيه الواسعة إلى أراض زراعية ممتازة.أما تجفيف وادي الفالق فمشروع جليل حقاً. فكِّر، أيها المستمع الكريم، في منطقة مساحتها ثمانية آلاف دونم موبوءة بالملاريا، وهي فوق ذلك، تبسط وباءها على مساحات واسعة حولها تبلغ أربعين ألفاً من الدونمات تتركها غير صالحة للسكنى ولا للاستغلال. هذا هو وادي الفالق، أو بركة رمضان، أو بصة أم العلق كما يسميها البدو، ومنطقتها (في اتساع مستنقعاتها) ثانية المناطق في فلسطين، وأولاها منطقة الحولة.لوادي الفالق تاريخ لا يخلو من فائدة ومتعة، سآتي على نبذة منه بعد تعيين موقعه.يقع وادي الفالق على زاوية بين يافا شمالاً على بعد سبعة عشر كيلو متراً، وبين طولكرم غرباً على مسافة عشرين كيلو متراً، قال لي المهندس ميشال أفندي: إن البحث الفني قــد أثبت محــاولة الرومــان تجفيفه فـي غابر العصــور ، فالملحوظ أن الجبل قــد فلـق -ومنه أخذ اسم الفالق - ليكون قناة اصطناعية من جانب البحر، وعلى عمق ثلاثة أمتار فقط وجدت آثار قناة رومانية طولها خمسة وسبعون متراً في عرض متر ونصف، قد بنيت بالحجر المقصوب، والظاهر أن هذه القناة ضيقة بحيث لم تتمكن من حمل السيول الشتوية، فلم يمض عليها موسم الأمطار حتى طمرها وعاد المستنقع إلى ما كان عليه.وكتب راهب رافق ريكاردوس فقال: قبل معركة أرسوف التاريخية بليلتين كان الملك مخيماً عند نهر اسمه (روش تييّي Roche Taillie) ومعناه الصخر المنقور، وشرحه المؤرخ ستانلي لين - بول بالاسم العربي وادي الفالق.. أما الكتب التاريخية العربية فلم تسمّه الفالق ولكن (نهر القصب)، وسمته (البركة) بدون إضافة (رمضان) إليها.نتحدث عن المشروع الآن فنقول: إن تجفيف وادي الفالق بدأ في تشرين الثاني سنة 1934 وانتهى في أوائل سنة 36، وكان ذلك على أحدث طريقة فنية لم تتبع إلا في أميركا وحدها، وهي طريقة التجفيف بتفجير الديناميت في المستنقع، فاستخدم في سبيل ذلك خمسة وأربعون طناً من هذه المادة الانفلاقية. وفضلاً عن سرعة هذه الطريقة ونتائجها المضمونة فهي أقل نفقة من الطريقة الاعتيادية المتبعة في سائر البلاد، لقد كانت نفقات المشروع، اثنين وعشرين ألف وخمسمئة جنيه دفعت نصفها الحكومة ودفع النصف الآخر المجلس الإسلامي الأعلى وسكان المستعمرات المجاورة، وهذه النفقات كانت ترتفع إلى 60 ألفاً لو اتّبعت في المشروع الطريقة القديمة.وكان العمل في الفالق على جانب كبير من الصعوبة في بعض أنحاء المنطقة، فقد بلغ عمق الماء في بعضها من 4 - 5 أمتار بحيث كانت القوارب تستخدم في تجفيفها. وكان هم القائمين بالمشروع وقاية العمال من إصابات الملاريا، إذ استخدم خلال تنفيذ المشروع مئة عامل يومياً كانت تصل أحياناً إلى ثلاثمائة، وثلاثمائة وخمسين يومياً حسبما يقتضيه نوع العمل، فأقيمت لهم البراكات، والواقيات من البعوض، وأجبروا على اتباع نظام خاص، منه ضرورة الإقامة في براكاتهم قبل الساعة الخامسة في الصيف، ومنه تناولهم جرعات الكينا يومياً، وبذلك كانت الإصابات بين العمال قليلة جداً بحيث أمكن إنهاء المشروع بسلام.
إذا علمت ماذا كان عليه وادي الفالق، وماذا صار إليه بعد تجفيفه قدرت قيمة المشروع وأكبرته. كان وادي الفالق مأوى الخنازير الوحشية والثعالب وبنات آوى، فكان بغية هواة الصيد، وكان بعض مجاوريه يزرعون البطيخ ونحوه فتخرج هذه الوحوش وتعبث في مزروعاتهم إتلافا وتمزيقاً، وكان بعضهم يضمن ما ينبت على مياهه من القش والقصب لاستخدامه في صناعة الحصر...أما اليوم وقد جف مستنقع وادي الفالق، فإنه لم يعد وحده صالحاً للزراعة، ولكن جميع ما حوله من الأراضي ، ومساحتها، كما قدمت، أربعون ألف دونم.. فقصد المزارعون العرب من كل صوب حتى أصبح يعيش عليه اليوم ألف عائلة. وثبت أن تربته من الخصب على جانب عظيم، وإن كانت لا تزال تزرع على الطرق القديمة العقيمة.. لموسم واحد، في حين أنها - على تقدير الخبراء الزراعيين - يمكنها أن تعطي ثلاثة مواسم زراعية، هذا فضلاً عن أن مزروعاتها لا تتعدى الخيار والبندورة والذرة الصفراء، وشيئاً قليلاً من البطاطا واللوبيا والقرع والشمندر والملفوف. حدثني ميشال أفندي عن خصب وادي الفالق فقال: اقتلعت ذات يوم رأساً من الشمندر فلما عدت الى دائرة الصحة العامة وزناه فإذا به أربعة كيلو غرامات وعُشْر كيلو غرام. وقال لي أيضاً : حملت في مقعد سيارتي الخلفي ذات يوم بعض الملفوف مما أنتجه وادي الفالق فلم أتمكن من حمل أكثر من ست ملفوفات في مقعد يتسع لثلاثة ركاب. ولا شك أن حالة وادي الفالق اليوم بعد أن ضُمنت من الناحية الصحية وفُتحت فيه خنادق يبلغ مجموع طولها 21 كيلو متراً، وتوسيع القناة الرومانية إلى خمسة أمتار، بعد هذا لم يعد سبيل إلى خطر الملاريا من ركود السيول فيه.هذه هي الأرض الخصيبة الخيرة، فأين اليد المنظمة المنتجة.. والسلام عليكم.إبراهيم عبدالفتاح طوقان