حدثني ميشال أفندي سماحة قال: كان أول ما بدئ بتجفيف المستنفعات في أول عهد الاحتلال، وكانت الأعمال تجري في دائرة ضيقة، ثم قدمت إلى فلسطين بعثة تابعة لمؤسسة المثري الأميركي المشهور روكفلر، وهي مؤسسة خاصة بمكافحة الملاريا، وكانت البعثة مشكلة من مهندس وطبيب قاما بأبحاثهما وعرضا على حكومة فلسطين بعد ذلك مشروعاً هو أن تبعث الحكومة أحد الوطنيين للتخصص على حساب المؤسسة، فإذا أتم دراسته عاد ليشتغل في مكافحة الملاريا على حساب الحكومة كأحد موظفيها. تم ذلك سنة 1928 - 29، وكان أول أعمال المشروع تجفيف مستنقع النبي روبين على حساب المجلس الإسلامي الأعلى.ومنطقة النبي روبين أوقاف إسلامية، وأهميتها أنها مزار صيفي تُضرب فيه المخيمات كل عام، ويؤمه مالا يقل عن أربعين ألفاً، فكان هؤلاء إذا انقضى الموسم عادوا يحملون في دمهم جرثومة الملاريا الفتاكة، ويوزعونها على القرى والمدن التي يغشونها. جُفّف هذا المستنقع - ومساحته ألف وثمانمئة دونم - فانقطع دابر الملاريا، وانقلبت أراضيه الواسعة إلى أراض زراعية ممتازة.أما تجفيف وادي الفالق فمشروع جليل حقاً. فكِّر، أيها المستمع الكريم، في منطقة مساحتها ثمانية آلاف دونم موبوءة بالملاريا، وهي فوق ذلك، تبسط وباءها على مساحات واسعة حولها تبلغ أربعين ألفاً من الدونمات تتركها غير صالحة للسكنى ولا للاستغلال. هذا هو وادي الفالق، أو بركة رمضان، أو بصة أم العلق كما يسميها البدو، ومنطقتها (في اتساع مستنقعاتها) ثانية المناطق في فلسطين، وأولاها منطقة الحولة.لوادي الفالق تاريخ لا يخلو من فائدة ومتعة، سآتي على نبذة منه بعد تعيين موقعه.يقع وادي الفالق على زاوية بين يافا شمالاً على بعد سبعة عشر كيلو متراً، وبين طولكرم غرباً على مسافة عشرين كيلو متراً، قال لي المهندس ميشال أفندي: إن البحث الفني قــد أثبت محــاولة الرومــان تجفيفه فـي غابر العصــور ، فالملحوظ أن الجبل قــد فلـق -ومنه أخذ اسم الفالق - ليكون قناة اصطناعية من جانب البحر، وعلى عمق ثلاثة أمتار فقط وجدت آثار قناة رومانية طولها خمسة وسبعون متراً في عرض متر ونصف، قد بنيت بالحجر المقصوب، والظاهر أن هذه القناة ضيقة بحيث لم تتمكن من حمل السيول الشتوية، فلم يمض عليها موسم الأمطار حتى طمرها وعاد المستنقع إلى ما كان عليه.وكتب راهب رافق ريكاردوس فقال: قبل معركة أرسوف التاريخية بليلتين كان الملك مخيماً عند نهر اسمه (روش تييّي Roche Taillie) ومعناه الصخر المنقور، وشرحه المؤرخ ستانلي لين - بول بالاسم العربي وادي الفالق.. أما الكتب التاريخية العربية فلم تسمّه الفالق ولكن (نهر القصب)، وسمته (البركة) بدون إضافة (رمضان) إليها.نتحدث عن المشروع الآن فنقول: إن تجفيف وادي الفالق بدأ في تشرين الثاني سنة 1934 وانتهى في أوائل سنة 36، وكان ذلك على أحدث طريقة فنية لم تتبع إلا في أميركا وحدها، وهي طريقة التجفيف بتفجير الديناميت في المستنقع، فاستخدم في سبيل ذلك خمسة وأربعون طناً من هذه المادة الانفلاقية. وفضلاً عن سرعة هذه الطريقة ونتائجها المضمونة فهي أقل نفقة من الطريقة الاعتيادية المتبعة في سائر البلاد، لقد كانت نفقات المشروع، اثنين وعشرين ألف وخمسمئة جنيه دفعت نصفها الحكومة ودفع النصف الآخر المجلس الإسلامي الأعلى وسكان المستعمرات المجاورة، وهذه النفقات كانت ترتفع إلى 60 ألفاً لو اتّبعت في المشروع الطريقة القديمة.وكان العمل في الفالق على جانب كبير من الصعوبة في بعض أنحاء المنطقة، فقد بلغ عمق الماء في بعضها من 4 - 5 أمتار بحيث كانت القوارب تستخدم في تجفيفها. وكان هم القائمين بالمشروع وقاية العمال من إصابات الملاريا، إذ استخدم خلال تنفيذ المشروع مئة عامل يومياً كانت تصل أحياناً إلى ثلاثمائة، وثلاثمائة وخمسين يومياً حسبما يقتضيه نوع العمل، فأقيمت لهم البراكات، والواقيات من البعوض، وأجبروا على اتباع نظام خاص، منه ضرورة الإقامة في براكاتهم قبل الساعة الخامسة في الصيف، ومنه تناولهم جرعات الكينا يومياً، وبذلك كانت الإصابات بين العمال قليلة جداً بحيث أمكن إنهاء المشروع بسلام.
إذا علمت ماذا كان عليه وادي الفالق، وماذا صار إليه بعد تجفيفه قدرت قيمة المشروع وأكبرته. كان وادي الفالق مأوى الخنازير الوحشية والثعالب وبنات آوى، فكان بغية هواة الصيد، وكان بعض مجاوريه يزرعون البطيخ ونحوه فتخرج هذه الوحوش وتعبث في مزروعاتهم إتلافا وتمزيقاً، وكان بعضهم يضمن ما ينبت على مياهه من القش والقصب لاستخدامه في صناعة الحصر...أما اليوم وقد جف مستنقع وادي الفالق، فإنه لم يعد وحده صالحاً للزراعة، ولكن جميع ما حوله من الأراضي ، ومساحتها، كما قدمت، أربعون ألف دونم.. فقصد المزارعون العرب من كل صوب حتى أصبح يعيش عليه اليوم ألف عائلة. وثبت أن تربته من الخصب على جانب عظيم، وإن كانت لا تزال تزرع على الطرق القديمة العقيمة.. لموسم واحد، في حين أنها - على تقدير الخبراء الزراعيين - يمكنها أن تعطي ثلاثة مواسم زراعية، هذا فضلاً عن أن مزروعاتها لا تتعدى الخيار والبندورة والذرة الصفراء، وشيئاً قليلاً من البطاطا واللوبيا والقرع والشمندر والملفوف. حدثني ميشال أفندي عن خصب وادي الفالق فقال: اقتلعت ذات يوم رأساً من الشمندر فلما عدت الى دائرة الصحة العامة وزناه فإذا به أربعة كيلو غرامات وعُشْر كيلو غرام. وقال لي أيضاً : حملت في مقعد سيارتي الخلفي ذات يوم بعض الملفوف مما أنتجه وادي الفالق فلم أتمكن من حمل أكثر من ست ملفوفات في مقعد يتسع لثلاثة ركاب. ولا شك أن حالة وادي الفالق اليوم بعد أن ضُمنت من الناحية الصحية وفُتحت فيه خنادق يبلغ مجموع طولها 21 كيلو متراً، وتوسيع القناة الرومانية إلى خمسة أمتار، بعد هذا لم يعد سبيل إلى خطر الملاريا من ركود السيول فيه.هذه هي الأرض الخصيبة الخيرة، فأين اليد المنظمة المنتجة.. والسلام عليكم.إبراهيم عبدالفتاح طوقان
إذا علمت ماذا كان عليه وادي الفالق، وماذا صار إليه بعد تجفيفه قدرت قيمة المشروع وأكبرته. كان وادي الفالق مأوى الخنازير الوحشية والثعالب وبنات آوى، فكان بغية هواة الصيد، وكان بعض مجاوريه يزرعون البطيخ ونحوه فتخرج هذه الوحوش وتعبث في مزروعاتهم إتلافا وتمزيقاً، وكان بعضهم يضمن ما ينبت على مياهه من القش والقصب لاستخدامه في صناعة الحصر...أما اليوم وقد جف مستنقع وادي الفالق، فإنه لم يعد وحده صالحاً للزراعة، ولكن جميع ما حوله من الأراضي ، ومساحتها، كما قدمت، أربعون ألف دونم.. فقصد المزارعون العرب من كل صوب حتى أصبح يعيش عليه اليوم ألف عائلة. وثبت أن تربته من الخصب على جانب عظيم، وإن كانت لا تزال تزرع على الطرق القديمة العقيمة.. لموسم واحد، في حين أنها - على تقدير الخبراء الزراعيين - يمكنها أن تعطي ثلاثة مواسم زراعية، هذا فضلاً عن أن مزروعاتها لا تتعدى الخيار والبندورة والذرة الصفراء، وشيئاً قليلاً من البطاطا واللوبيا والقرع والشمندر والملفوف. حدثني ميشال أفندي عن خصب وادي الفالق فقال: اقتلعت ذات يوم رأساً من الشمندر فلما عدت الى دائرة الصحة العامة وزناه فإذا به أربعة كيلو غرامات وعُشْر كيلو غرام. وقال لي أيضاً : حملت في مقعد سيارتي الخلفي ذات يوم بعض الملفوف مما أنتجه وادي الفالق فلم أتمكن من حمل أكثر من ست ملفوفات في مقعد يتسع لثلاثة ركاب. ولا شك أن حالة وادي الفالق اليوم بعد أن ضُمنت من الناحية الصحية وفُتحت فيه خنادق يبلغ مجموع طولها 21 كيلو متراً، وتوسيع القناة الرومانية إلى خمسة أمتار، بعد هذا لم يعد سبيل إلى خطر الملاريا من ركود السيول فيه.هذه هي الأرض الخصيبة الخيرة، فأين اليد المنظمة المنتجة.. والسلام عليكم.إبراهيم عبدالفتاح طوقان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق