الاثنين، 18 فبراير 2008

السواركة يختارو ممثليهم

السواركة اختاروا‏19‏ شيخا‏..‏ والمجلس النهائي للقبائل‏20‏ ينايرقبائل سيناء تواجه الانفلات بـ الانتخابات
تحقيق‏:‏ عبدالرحمن سعد
تسابق قبائل سيناء‏(400‏ ألف نسمة‏)‏ الزمن حاليا من أجل إنجاز أول خطوة شعبية في تاريخها الحديث لإعادة هيكلة القبيلة عبر إجراء أول انتخابات ديمقراطية بهدف انتخاب مجلس حكماء لكل قبيلة‏,‏ يتولي إدارتها‏,‏ وتسيير شئونها‏,‏ وضبط أوضاعها‏,‏ وإعادة الأمن إلي ربوعها‏,‏ في خطوة تشجعها الجهات الرسمية‏,‏ بينما يحذر حقوقيون من كون هذه المجالس غير كافية في ظل تدني المعيشة‏,‏ وضعف الخدمات‏.‏أفراد قبيلة السواركة‏(‏ أكبر القبائل‏,‏ وتعدادها‏60‏ ألفا‏)‏ اختاروا ممثليهم أمس الإثنين في انتخابات هي الأولي من نوعها بين عشائرها‏,‏ وأفرعها‏..‏ بينما أجرت كل من قبائل‏:‏ الفواخرية والرميلات والريشات انتخاباتها‏,‏ واستقرت علي ممثليها العشرة خلال الأيام الماضية‏..‏ فيما توالي بقية القبائل في شمال سيناء‏(‏ ثمان هي ـ بجانب الأربع المذكورة ـ الترابين والتياهة والأهوات والبياضية‏,‏ علاوة علي عائلات وبطون كبري‏),‏ تمهيدا لإجراء أول انتخابات عامة بين أفراد القبائل جميعا يوم العشرين من يناير الحالي‏,‏ لاصطفاء مجلس إدارة يمثل أبناء القبائل بوسط وشمال سيناء‏.‏هذه المجالس كانت موجودة من قبل في الأثر البدوي بين القبائل‏,‏ إلي أن عطلها الاحتلال الإسرائيلي لأرض سيناء يوم الخامس من يوليو‏1967,‏ بحكم محاربته كل تجمع بدوي‏,‏ وتشريده العناصر الوطنية‏,‏ ومع عودة سيناء إلي السيادة الوطنية تعاملت السلطات مع البدو بمنطق شيخ الحارة‏,‏ لا شيخ القبيلة‏,‏ فاصطنعت لهم شيوخا يرفضهم الضمير القبلي‏,‏ لأنهم غير نابعين عن اختيارات الأهالي‏.‏شغب بالشهر المقدس‏!‏السؤال‏:‏ كيف برز التفكير في إحياء هذه المجالس؟ترجع الإجابة ـ كما يقول الحاج خلف المنيعي أحد قادة قبيلة السواركة ـ إلي يوم السادس من أكتوبر الماضي‏(‏ الرابع والعشرين من رمضان‏),‏ إذ كان يوما مأساويا بحق‏.‏فبعد العصر نشبت مشاجرة بين فردين من قبيلتي الترابين والفواخرية‏,‏ بوسط هذه الأخيرة‏..‏ لكن الترابيني تعرض للضرب‏,‏ فما كان من الترابين إلا أن جاءوا بعربات محملة بالرجال المسلحين‏,‏ ثم هبطوا في ميدان الفواخرية‏,‏ وبدأوا في إطلاق النار العشوائي‏.‏وعلي بعد أمتار منهم كان الفواخريون يؤدون واجب العزاء في وفاة شيخهم محمد عايش في أعقاب أداء صلاة التراويح بجامع الفواخرية‏,‏ فتصدوا ـ بالحجارة ـ للمهاجمين‏,‏ وأسفرت الاشتباكات عن إصابة مواطنين‏..‏ كما يقول مسئولو القبائل‏.‏هنا‏..‏سادت موجة من الغضب بين أبناء الفواخرية‏..‏ وتجمعوا بالآلاف ليلا‏,‏ وصدرت ردود فعل هوجاء عن البعض منهم‏,‏ وأسفرت ردة الفعل هذه عن تحطيم العديد من المحال‏,‏ وحرق مقار لجهات رسمية‏..‏ ومن ثم ألقت أجهزة الأمن القبض علي عدد من مثيري الشغب بينهم‏,‏ ليتم ـ لاحقا ـ عقد مجلس عرفي للمصالحة بين القبيلتين‏.‏لم تكن تلك الفتنة الأولي في العام الماضي‏..‏ بل كانت هناك حوادث يومية مفزعة‏:‏ سطو علي المنازل والأراضي والممتلكات الخاصة بالمواطنين بحجة استخلاص الحقوق‏,‏ دون مراعاة لعرف أو قانون‏..‏ قتل عشوائي‏..‏ انتشار سيارات لا تحمل أي لوحات‏..‏ حمل سلاح غير مرخص‏,‏ وقضاء عرفي يترنح تحت وطأة سوء استغلاله‏.‏ثلاثة أطراف كانت ترقب ما يحدث من فتن يكتوي أبناء سيناء بنارها عصابات مسلحة‏,‏ يصفها أشرف الحفني أمين حزب التجمع بشمال سيناء وعضو اللجنة الشعبية لحقوق الإنسان‏(‏ لجنة أهلية تنشط بشمال سيناء‏)‏ بأن أفرادها باتوا بشمرجة جددا‏..‏ يهددون سيناء‏!‏الطرف الثاني‏:‏ الأجهزة الرسمية المصرية‏(‏ مغلولة اليد بنور الحكمة‏)‏ عن التدخل فيما يحدث باعتباره شأنا داخليا بين أبناء القبائل‏.‏أما الطرف الثالث‏:‏ فهو أبناء سيناء أنفسهم الذين حار ذهنهم فيما يقع بينهم من صراعات‏..‏ لكنهم يعجزون عن مواجهتها‏.‏اجتماع بمنزل المنيعيعلي بعد نحو ثلاثة كيلو مترات من مقر المحافظة في قلب مدينة العريش‏..‏ اجتمع نفر يقارب عددهم العشرين من أبناء القبائل في ردهة واسعة من الدور الأرضي بمنزل كائن علي بعد أمتار من مسجد الشيخ عيد جرير‏(‏ أحد كبار شيوخ السواركة في خمسينيات القرن الماضي‏)..‏ التأم الاجتماع في عصر يوم من أواخر شهر نوفمبر الماضي‏,‏ واستمر حتي صلاة العشاء‏.‏يقول الحاج خلف المنيعي‏:‏ كنا نحاول اعتصار الذهن في كيفية الخروج من هذه الأزمة‏:‏ كيف نعيد الهيبة إلي القضاء العرفي‏,‏ والاحترام إلي مرجعية القبيلة‏,‏ والشعور بالأمن إلي المواطنين؟في النهاية جاءت الفكرة‏:‏ لابد أن يكون في كل قبيلة مجلس إدارة ينتخبه أفرادها‏,‏ بحيث يكون مسئولا عن ملاحقة ومحاسبة كل من تسول له نفسه الخروج عن أعرافها‏,‏ وفي الوقت نفسه يستظل هذا المجلس بمظلة الشرعية الشعبية والقانونية‏.‏وهكذا تعاقد القوم علي نشر الفكرة بين القبائل‏,‏ ومن ثم عقدوا اجتماعا حاشدا في مقر نادي الهجن بالعريش يوم الإثنين‏24‏ ديسمبر الماضي‏,‏ وتضاعف فيه عدد الحضور ليتجاوز المائتين وخمسين شخصا‏,‏ من مختلف القبائل‏..‏ بقصد الضبط والربط والالتزام الذاتي‏,‏ بمعني أن يتعامل الناس بالعرف المشرف‏,‏ وقوامه الحق والعدل ووعد الشرف‏..‏ بحسب تعبير الحاج محمد عيد ملحوس‏(‏ من عشيرة الدهيمات‏).‏أعقب ذلك إجراء سلسلة من الاجتماعات لاختيار مجلس كبراء لكل قبيلة عبر الانتخاب الحر بين أفرادها‏..‏ ومن هنا سبقت قبيلة الفواخرية لإجراء انتخاباتها يوم الجمعة الماضي‏,‏ فأسفرت عن اختيار عشرة في مجلس إدارة القبيلة‏.‏ومعلقا علي ما حدث يقول الحاج حسان‏(‏ من قبيلة الفواخرية‏):‏ ما قمنا به من انتخابات هو جهد اختياري لقطع يد كل‏(‏ هامل‏),‏ حتي يستقر‏(‏ الأمن‏).‏‏*‏ ولكن كيف تجري الانتخابات؟يجيب المهندس نشأت القصاص عضو مجلس الشعب عن دائرة العريش بالقول بأن كل قبيلة تتكون من مجموعة عشائر‏,‏ والعشيرة مجموعة أرباع‏(‏ عائلات‏),‏ والربع مجموعة خمسات‏(‏ العصبة من الرجل حتي خامس جد له تسمي خمسة الدم‏)‏ أي أن خمسة الدم شبيهة بالأسرة الممتدة‏,‏ ويتراوح عدد أفرادها في الغالب بين خمسين ومائة فرد‏.‏ويتابع‏:‏ سيرشح كل ربع مسئولا يمثله عبر انتخابات داخلية‏,‏ وهؤلاء الممثلون سينتخبون من بينهم شيخا للعشيرة كلها‏..‏ ثم يجتمع المنتخبون من شيوخ العشائر لينتخبوا من بينهم مجلس إدارة القبيلة بأغلبية الأصوات‏..‏ وسيكون عدده بحسب حجم القبيلة‏,‏ لكنه لن يزيد علي عشرة ممثلين‏..‏ علي أن يكون المجلس المنتخب مفوضا تفويضا عرفيا ومكتوبا‏(‏ كان في الماضي شفويا فقط‏)‏ للحديث باسمها‏,‏ وإدارة شئونها‏,‏ وتمثيلها لدي الجهات والقبائل الأخري‏.‏أولويات في المجالسمن أهداف المجالس‏,‏ وأولوياتها ـ يقول الحاج ناصر سليم ـ القضاء علي الفساد الذي دب في القضاء العرفي عبر المتاجرة به‏,‏ ولجوء بعض القضاة لبيع ضمائرهم والدوران مع صاحب المال‏,‏ لا صاحب الحق‏,‏ حيث دار‏.‏أمر آخر يشير إليه هو ضبط الأمن داخل كل قبيلة‏,‏ من أجل جذب المستثمرين‏,‏ وبناء حائط صد بالمحبة ضد أي تجاوز‏,‏ ومشاركة القبائل فعليا في تحقيق الأمن‏.‏مجلس إدارة القبيلة فكرة مريحة أمنيا وشعبيا ومجتمعيا‏..‏ يقول فايز منونة‏(‏ من عشيرة السلامين‏).‏قضاة ولجنة واعتماد‏*‏ ما الآليات؟حسب المتفق عليه بين رجال القبائل‏;‏ فإن مجلس القبيلة سيقوم باختيار قضاة عرفيين مشهود لهم بالنزاهة لفض المنازعات‏,‏ مع فصل أي شيخ أو مسئول قبلي غير فعال‏.‏كما سيتم تشكيل لجنة مصغرة تضم ممثلين للقبائل‏,‏ يعكفون علي التشاور من أجل الوصول إلي حل لجميع المشكلات العالقة‏..‏ بحسب أولوية كل قضية‏..‏ بعد حصر المشكلات الداخلية والخارجية‏,‏ علما بأن رجال القبائل يتدارسون حاليا فكرة تخصيص مقر خاص لكل مجلس‏.‏لكنهم يطالبون الوزارات المعنية ـ في الوقت نفسه ـ باعتماد مجلس القبيلة رسميا‏,‏ وأن تكون له صفة قانونية‏,‏ وأن يستشار في جميع أموره المادية والمعنوية‏..‏ مؤكدين أنه لن تكون لهذه المجالس قيمة إذا لم تعترف الأجهزة بها‏,‏ وتوثق التعاون معها‏,‏ في سيناء التي لا يحتمل موقعها الجغرافي أي خطأ أو انفلات أمني‏.‏سأجلس مع المجالس‏*‏ والآن‏..‏ ماذا يقول المسئولون؟يقول اللواء أحمد عبدالحميد محافظ شمال سيناء‏:‏ إن الفكرة جيدة‏,‏ ونحن نشجعها وندعمها‏,‏ وأنا أتابع هذا الموضوع شخصيا مع القبائل‏..‏ قبيلة قبيلة‏..‏ فهناك مشكلات الاعتصامات والتهريب والسرقات‏..‏ إلخ‏,‏ ومن الأهمية وجود هذه المجالس‏..‏ والمهم أن يختار أفراد كل قبيلة الشخص الذي يحبونه‏,‏ ويثقون به‏..‏ ويهمنا أن تكون هذه المجالس قوية حتي تتمكن من ضبط الانفلات الحاصل‏.‏ويتابع‏:‏ إنها فكرة تساعد علي تحقيق الاستقرار‏,‏ وتنشيط القضاء العرفي‏,‏ وتمنع وقوع القبائل في خلافات‏,‏ بعضها مع بعض‏,‏ كما تمنع مظاهر الخروج علي القانون خاصة في وسط سيناء‏.‏ويضيف‏:‏ سوف أجلس مع مجالس القبائل المنتخبة‏,‏ وهؤلاء لا يتعارض عملهم مع دور أجهزة الأمن‏,‏ ولا مع المشايخ المعينين حاليا‏,‏ البالغ عددهم‏137‏ شيخا‏,‏ وقد رفعنا راتب كل منهم من‏75‏ جنيها إلي‏500‏ جنيه‏.‏مخاوف من التسلطفي المقابل يبدي أشرف الحفني تخوفه من تراجع دور العرف ليس بسبب عدم وجود ممثلين للقبائل‏,‏ وإنما لأسباب أخري يجب دراستها‏,‏ لأن القضية الحقيقية هي تراجع دور القبيلة عموما‏,‏ وليس العرف فقط‏,‏ بحسب تعبيره‏.‏فالشكل القبلي ـ كما يؤكد ـ يتراجع‏,‏ والحل في توفير الخدمات‏,‏ وتحسين حياة المواطن‏,‏ لأن التفاوت الطبقي مع قلة الخدمات أدي إلي حدوث تمايز يصب في مصلحة فئة معينة‏.‏بصراحة ـ يتابع ـ التخوف أيضا هو أن يتحول هذا الشكل القبلي المستحدث إلي شكل جديد من أشكال التسلط علي المواطنين‏,‏ مع أن المطلوب هو أن نحارب الخارجين علي‏(‏ القانون‏)‏ لا الخارجين علي‏(‏ السياسة‏),‏ ومقتضي ذلك الاهتمام بالأمن الجنائي‏,‏ بدرجة لا تقل عن الاهتمام بالأمن السياسي‏.

ليست هناك تعليقات: